تسبب اعتلالات دماغ الأطفال، ذات الأصل الوراثي، إعاقات حركية وذهنية شديدة منذ الولادة. وأحد هذه الأمراض، الذي تم تحديده لأول مرة في عام 2013، ناتج عن طفرات في جين GNAO1.
ومن أجل فهم التفاصيل الدقيقة للاضطرابات الناتجة، أجرى علماء من جامعة جنيف (UNIGE) تحليلات ذرية وجزيئية وخلوية. واكتشفوا أن طفرة في GNAO1 تؤدي إلى استبدال حمض أميني بآخر في تسلسل البروتين. وهذا كاف لتعطيل آلية التنشيط والتعطيل للبروتين المشفر، وبالتالي تغيير قدرة الخلايا العصبية على التواصل بشكل صحيح مع بيئتها.
ويمكن لجزيء الزنك البسيط، الذي يشيع استخدامه في سياقات أخرى، أن يستعيد، جزئيا على الأقل، وظيفة البروتين المتأثر بهذه الطفرات.
وتعطي هذه النتائج، التي نُشرت في مجلة Science Advances، الأمل في علاج يمكن أن يغير حياة المرضى وعائلاتهم.
ويُظهر الأطفال المصابون بطفرات في جين GNAO1 اضطرابات إكلينيكية كبيرة، تشمل تأخرا في النمو الفكري والحركي، وحركات لا يمكن السيطرة عليها، بالإضافة إلى صرع شديد أو أقل حدة، مصحوبا في بعض الأحيان بتلف في الدماغ وضمور.
ويرمز GNAO1 لبروتين يسمى Gαo، وهو أحد أهم اللبنات الأساسية للخلايا العصبية.
ويوضح فلاديمير كاتانايف، الأستاذ في قسم فسيولوجيا الخلايا والتمثيل الغذائي في كلية الطب UNIGE: “هذه الطفرة هي اقترانية زيجوتية غير متماثلة، ما يعني أن إحدى نسختين من الجين تعمل والأخرى متغيرة. وحتى لو كانت الخلايا العصبية تحتوي على نصف البروتينات الطبيعية، فإن نتائج النمو العصبي مدمرة”.
ويتم تنشيط بروتينات Gαo الوظيفية عندما ترتبط بالنيوكليوتيدات التي تسمى GTP، ثم يتم تعطيلها من خلال التحلل المائي. ويسمح هذا للبروتينات باتباع دورة التنشيط والتعطيل اللازمة لوظيفة الخلية.
وتؤدي الطفرات في جين GNAO1 إلى استبدال أحد الأحماض الأمينية في Gαo بآخر. وتنشط هذه البروتينات المتغيرة بسرعة كبيرة، لكنها غير قادرة على أداء التحلل المائي. وبالتالي فهي محاصرة في حالة تنشيط دائمة.
ويشرح فلاديمير كاتانايف: “هذه الطفرات تؤثر بشكل غير مباشر على حمض أميني حاسم للتحلل المائي GTP: الغلوتامين 205. وعادة، يقع هذا الغلوتامين هيكليا مقابل GTP، ما يسمح بالتحلل المائي. ومع ذلك، يتم إزاحة هذا الغلوتامين في حالة حدوث طفرة مرضية: هذه المسافة الهيكلية تمنع حدوث هذه الآلية”.
ومن خلال تعطيل التفاعلات مع بروتينات غشاء الخلية، تعدل هذه الطفرات قدرة الخلايا العصبية على التواصل مع بيئتها.
جزيء معروف منذ عقود
يهدف العلماء إلى محاولة إيجاد علاج يمكن أن يحد من أعراض المرض ويحسن نوعية حياة المرضى وعائلاتهم. وللقيام بذلك، أجرى فريق البحث فحصا عالي الإنتاجية لآلاف الأدوية المعتمدة بهدف تحديد جزيء قادر على إعادة تنشيط التحلل المائي.
ويوضح فلاديمير كاتانايف: “في الواقع، في الأمراض النادرة، لا توجد عادة طريقة لتطوير جزيء جديد تماما. إعادة تحديد جزيئات الدواء المتوفرة بالفعل والمعتمدة والآمنة يمكن أن تكون استراتيجية ناجحة بدلا من ذلك”.
وبرز جزيء واحد، بيريثيون الزنك (مركّب تنسيق الزنك)، وهو يصحح فقدان التفاعلات داخل الخلايا عن طريق تقريب الغلوتامين 205 من موقعه الهيكلي الطبيعي، ما يسمح بحدوث التحلل المائي GTP.
ويقول فلاديمير كاتانايف: “هذا دواء قديم مضاد للفطريات ومضاد للبكتيريا يستخدم في شكل كريم لأمراض جلدية معينة. لقد اتخذنا التحليل خطوة إلى الأمام لمعرفة ما إذا كان كل هذا الجزيء أو جزء منه فعالا. واتضح أن أيون الزنك هو الفعال هنا، ومن السهل جدا العثور عليه في أي صيدلية، فقد تمت الموافقة عليه بالفعل لعلاج الاكتئاب الخفيف والأرق، وحتى في بعض اضطرابات النمو لدى الأطفال”.
نموذج ذبابة لتأكيد هذه النتائج
لتأكيد هذه النتيجة، استخدم فريق البحث ذبابة الفاكهة. ويوضح ميخائيل سافيتسكي، الباحث في مختبر فلاديمير كاتانايف والمتخصص في نمذجة الأمراض في ذبابة الفاكهة: “قمنا بتعديل جينوم الذباب لتكرار طفرة جين GNAO1، مع الاحتفاظ بنسخة طبيعية من الجين كما هو الحال في البشر”.
وتابع: “كان لدى الذباب مشاكل في الحركة وانخفاض في العمر الافتراضي”. ومع ذلك، فإن إضافة الزنك إلى نظامه الغذائي طوال حياته، بدءا من مرحلة اليرقات فصاعدا، مكن الذباب من القضاء على هذه الأعراض تماما تقريبا.
وبحسب سافيتسكي: “هذه النتيجة مدهشة بالفعل، خاصة وأن الزنك مادة آمنة للغاية وجيدة التحمل وغير مكلفة”.
وتبدو التجارب الأولى للمرضى واعدة، وسيتم الآن إجراء التجارب السريرية لتقييم ما إذا كان يمكن قياس التحسن على المدى الطويل.