انطلق الاقتصاد العالمي يستشرف آفاقاً جديدة بعد التعافي العالمي التدريجي من جائحة كورونا، ما أدى لتحسن توقعات النمو، لا سيما خلال العام الجاري 2021 الذي يعتقد بكون الاقتصاد العالمي سيشهد فيه أقوى تعافٍ فيما بعد الكساد في 80 عاماً، طبقاً لتقارير البنك الدولي، الذي توقع تسارع وتيرة النمو لتصل إلى 5.6 بالمئة.
وفي الوقت الذي يسعى فيه الاقتصاد العالمي لتجاوز “صدمة كورونا” باختبار مستويات أقوى للنمو مدعوماً بالتقدم المحرز في إطار مواجهة الفيروس، لا سيما لجهة اللقاحات، ومع عودة العمل وفتح المصانع والشركات، إلا أن ثلاثة مُهددات عنيفة تقود إلى إبطاء انتعاش اقتصاد العالم، بما يعزز تقديرات متباينة تعزز حالتي القلق والغموض حول مسار التعافي، لا سيما في ظل التباطؤ الحادث في الولايات المتحدة والصين على وجه التحديد الآن.
المُهدد أو العامل الأول مرتبط بأزمة الطاقة في أوروبا، وانعكاساتها على العالم. وثانياً ارتفاع نسب التضخم حول العالم. وذلك جنباً إلى جنب والعامل الثالث الخاص بالاضطرابات المتعلقة بالإمدادات (الداخلية/ المحلية والخارجية) والتي تعاني منها عديد من الاقتصادات، بما في ذلك اقتصادات كبرى حول العالم.
يعتبر مدير مركز مصر للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية مصطفى أبوزيد تلك العوامل الثلاث (ارتفاع نسبة التضخم، وأزمة الطاقة إضافة إلى اضطراب الإمدادات)، من المؤكد أن لها تأثيراً مباشراً على نمو الاقتصاد العالمي، وهذا ما عكسه أحدث تقارير صندوق النقد الدولي، مقارنة بتوقعاته السابقة التي كانت تتحدث عن تعافٍ بوتيرة أسرع.
النمو العالمي
ويلفت الخبير الاقتصادي في تصريحات خاصة لموقع “سكاي نيوز عربية” إلى أنه “بعد التذبذب في إمدادات الوقود، ومع ارتفاع نسب التضخم، فإن تلك العوامل ستؤثر بشكل أساسي في تحقيق المستهدف في النمو العالمي”، مستدلاً بالأزمة التي تشهدها بريطانيا والتي من شأنها التأثير على وتيرة الأعمال في الأنشطة الاقتصادية، بما ينعكس على الناتج المحلي وبالتالي على تحقيق معدلات نمو أقل.
ويشير الخبير الاقتصادي إلى أزمة اضطرابات الإمدادات في بعض الدول، ويقول إن قلة المعروض مقابل الطلب له أثر مباشر على ارتفاع معدلات التضخم بهذا الشكل. ويلفت الخبير الاقتصادي في الوقت نفسه إلى أن ذلك التباطؤ سيكون هو السائد على المدى القصير.
لكنه يعتقد في الوقت نفسه بأن الدول ستلجأ إلى إجراءات حمائية، وستكون هناك استراتيجيات وطنية لمعالجة تلك الآثار، مستبعداً في الوقت نفسه إمكانية تحوّل أزمة الطاقة في أوروبا إلى أزمة عالمية “هي أزمة وقتية تعمل الدول الأوربية على تأمين إمدادات الطاقة بشكل أسرع لحل الأزمة.. الأزمة لها انعكاسات على سلاسل الإمداد ومخاطر مختلفة إن تفاقمت فلربما لا تكون أقل حدة من تأثيرات كورونا على الاقتصادات”.
وعلى المديين المتوسط والبعيد، يوضح مدير مركز مصر للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، في ختام تصريحاته لموقع “سكاي نيوز عربية”، أن “الاقتصاد العالمي لم يتعاف بشكل كامل من تداعيات كورونا، والمشهد الآن يتوقف على السياسات الاقتصادية التي سوف يتم اتباعها من قبل الدول، ولكل دولة منهجية اقتصادية خاصة وفق أولوياتها ورؤيتها، وهو ما يحدد مدى سرعة تعافيها”.
وكان البنك الدولي، في تقريره الصادر أغسطس الماضي، قد تحدث عن “تفاوت” الانتعاش المتوقع للاقتصاد العالمي في 2021 بين المناطق المختلفة، ما بين معدلات نمو قوية بالبلدان الكبرى، فيما يتوقع أن تتأخر الاقتصادات النامية.
وكشفت رئيسة صندوق النقد الدولي كريستالينا غورغييفا، منتصف الأسبوع الماضي، عن أن الصندوق عدّل من توقعاته لمعدلات نمو الاقتصاد العالمي في 2021، متوقعاً انخفاضاً طفيفاً عن نسبة الـ 6 بالمئة التي حددها سابقاً.
أزمة عالمية
بينما يعتقد الخبير الاقتصادي سيد خضر، بأن “أزمة الطاقة” في أوروبا قد تتحول إلى أزمة عالمية إن لم يتم تداركها، فهي ينظر إليها الآن باعتبارها “أزمة وقتية” ارتباطاً بفصل الشتاء وزيادة الطلب، بينما إن لم تتخذ الحكومات إجراءات للتغلب على تلك الأزمة والاعتماد على بدائل مختلفة فقد تتفاقم المشكلة، بما ينعكس على الاقتصاد العالمي ككل.
ويوضح في تصريحات خاصة لموقع “سكاي نيوز عربية” أنه يتعين على البنوك المركزية اعتماد أدوات وخطط اقتصادية مختلفة لحماية الاقتصاد من التبعات المنتظرة للأزمات الحالية، مسلطاً الضوء على الاقتصاد الأميركي الذي يواجه جملة من المشكلات تعكسها المؤشرات الاقتصادية، لا سيما المرتبطة بالتضخم.
ويشدد على أن العوامل المذكورة تهدد الاقتصاد العالمي بتباطؤ كبير، ويضاف إليها أن الاقتصاد لم يتعاف بشكل تام من تداعيات كورونا، ولا يزال هناك غموض حول الجائحة وتطورها في ظل المتحور “دلتا” ومدى ما يشكله من خطورة وتداعيات قادمة تنعكس بشكل أو بآخر على الاقتصاد بصورة سلبية.
ومع تلك المعطيات يلفت الخبير الاقتصادي إلى أن “التوقعات الخاصة بالنمو السريع في العام 2021 تتغير الآن لجهة توقعات بنمو أبطأ في ضوء الأزمات التي يشهدها اقتصاد العالم”.
وختم: “بعد كورونا كانت كل التوقعات تشير إلى انتعاش واسع.. المسؤولية الآن تقع على عاتق البنوك المركزية للحد من الأزمات بإجراءات حمائية”.